ملاذنا الوحيد والأخير

ماذا يحدث حين تقع أخطاء في مشروعات التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تسبب مشروعات التنمية الدولية أحيانًا أضرارًا للناس والبيئة. وقد أنشأت المؤسسات التي تمول عمليات التنمية مكاتب مختصة بالمساءلة بهدف تحديد الأضرار الناجمة عن مشروعات التنمية ومعالجتها والتخفيف منها. منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بها أقل عدد من الشكاوى المقدمة إلى آليات المساءلة المستقلة وأقل معدل في أن تؤدي الشكوى لنتيجة.

في أوائل عام 2010، لاحظ المزارعون في إقليم شيشاوة بالمغرب أن مياه الشرب أصبحت متسخة وتغير لونها. في ذلك الوقت٬ كانت تتم إقامة مشروع ضخم بتمويل دولي لعمل طريق سريع بالقرب من مزارعهم٬ وهو الطريق السيار مراكش – أكادير. فبالإضافة لتلوث المياه٬ عانى المزارعون من أضرار أخرى بسبب هذا المشروع. فقد بدأت منازلهم تتصدع بسبب أعمال الإنشاء والمرور٬ وتعرضت بعض الأراضي الزراعية للتجريف٬ وتدمرت عيون المياه والسدود التقليدية٬ وكان عليهم أيضًا أن يقطعوا مسافات أطول للوصول للمناطق الحيوية.

علمت إحدى منظمات المجتمع المدني العاملة في المنطقة، وهي مركز التنمية لجهة تانسيفت (المعروف اختصارًا بـCDRT)، أن البنك الأفريقي للتنمية ساهم في تمويل المشروع. علم المركز أيضًا أن البنك به "مكتب مساءلة" يمكن للمجتمعات أن تقدم فيه شكاوى رسمية من الأضرار الناجمة عن المشروعات التي يمولها البنك لكي تتم معالجتها. قدم المركز شكوى بالنيابة عن المجتمعات المتضررة إلى آلية المساءلة المستقلة الخاصة بالبنك الأفريقي للتنمية المسماة بآلية المراجعة المستقلة. طلب المركز في هذه الشكوى حل تفاوضي للمشكلات التي يواجهها المزارعون نتيجة للمشروع. وبعد ست سنوات ونصف، بالتحديد في ديسمبر 2016، تم التوصل لاتفاق تضمن التعهد بإصلاح منازل المزارعين واستصلاح الأراضي الزراعية والحفاظ على مناطق تجمع مياه الري الطبيعية. لقد كان ذلك الاتفاق انتصارًا نادرًا للمجتمع في منطقة نعلم أن الأذى يحدث فيها لكن مثل هذا النوع من الشكاوى نادر والإنصاف أكثر ندرة.

عند تذكر هذه العملية والتفكير فيها، أعرب الدكتور أحمد الشهبوني (رئيس مركز التنمية لجهة تانسيفت) عن فخره بالتنظيم والتعاون الذين كانا ضروريين لتقديم حل ملموس للمجتمع. ولكن عندما تواصل معه البنك الدولي بشأن دعم مجتمع آخر في تقديم شكوى ما، رفض الدكتور الدعوة بأدب قائلا: ، وقال "نحن متعبون، ولن نتولى هذه المهمة لأننا منهكون." وقد عبر آخرون ممن تم عقد مقابلات معهم عن نفس هذا الشعور الذي عبر عنه د. الشهبوني.

السياق

مكاتب المساءلة المرتبطة بمؤسسات تمويل عمليات التنمية تم تصميمها لتحديد الأضرار الناجمة عن مشروعات التنمية ومعالجتها والتخفيف منها. وآليات المساءلة المستقلة هذه تعد آليات جديدة نسبيًا وغير مستخدمة إلى حد كبير٬ لكن هناك حوادث أثبتت بالفعل أن هذه الأنظمة – لو استخدمت بالطريقة المثلى – يمكن أن توفر سبلًا حقيقية وبناءة للإنصاف وجبر الضرر للمجتمعات التي تزعم وقوع أضرار ناجمة عن مشروعات تمولها مؤسسات مالية دولية. ومع ذلك، فإن فعالية هذه العمليات تتباين بدرجة كبيرة وتعتمد على عدد من العوامل منها قوة الشكوى المقدمة والموارد التي تمتلكها المجتمعات التي قدمت الشكوى ومستوى تنظيم تلك المجتمعات، وكذلك وجود منظمات المجتمع المدني ومقدار الدعم الذي تقدمه وموقع المشروع . من العوامل الهيكلية الأخرى التي تؤثر على كفاءة عمليات آلية المساءلة المستقلة قدرة آلية المساءلة المستقلة على إدارة العملية بشكل عادل وفعال، وكذلك مدى استعداد البنك للمشاركة في العملية، وأيضًا احتمالية الانتقام والعنف الذين يواجههما مقدمو الشكاوى.

يتناول هذا التقرير عمليات نظام آلية المساءلة المستقلة المتكامل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهي المنطقة صاحبة أقل عدد من الشكاوى وأقل معدل من وصول الشكاوى لنتيجة. نسعى لفهم أسباب انخفاض الشكاوى في هذه المنطقة مقارنة بالمناطق الأخرى وما الذي يمكن فعله لتحسين إتاحة وكفاءة آليات المساءلة المستقلة لكي تستطيع المجتمعات المتضررة المضي قدمًا في استخدامها. يجمع هذا التقرير خبرات وآراء حوالي دزينة (دستة) من المجتمعات في خمس قارات ومقابلات متعمقة مع آليات المساءلة المستقلة العاملة في المنطقة وتحليل كل البيانات المتعلقة بالمشروعات والشكاوى المتاحة للجمهور في المنطقة. بيانات الشكاوى والمشروعات مصدرها موقع (Accountability Console) وهو قاعدة بيانات شاملة وضعها مؤلفو هذا التقرير٬ وهذا الموقع يجمع وينظم الشكاوى التي تقدمها المجتمعات من خلال آليات المساءلة المستقلة.

تلقي نتائج هذا البحث الضوء على عدد من العوامل التي تقع في نطاق آليات المساءلة المستقلة والمؤسسات المالية الدولية وتحد من إتاحة وكفاءة الشكاوى في المنطقة٬ بالإضافة إلى قضايا أخرى مختلفة وأوسع نطاقًا متعلقة بالجوانب الهيكلية والحوكمة والجوانب الاجتماعية التي يمكن معالجتها وتخفيفها حدتها من خلال إدخال تعديلات على إدارة الشكاوى بعد تفكير متعمق ومدقق. الدروس المستفادة من هذا البحث يمكن أيضًا أن تدعم المجتمعات المتضررة ومناصريهم في الاشتباك مع نظام آلية المساءلة المستقلة بشكل أكثر كفاءة ورفع احتمالات النجاح .

رغم أن هذا البحث يركز على الشكاوى الموجودة في منطقة جغرافية معينة٬ فإن الكثير من دروسه صالحة بالنسبة لنطاق أوسع منه كثيرًا. فالقضايا التي يواجهها الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منتشرة أيضًا في مناطق أخرى٬ وإن كانت أقل حدة. زيادة إتاحة وكفاءة آليات المساءلة المستقلة مطلوبة في كل مكان٬ لكن الحاجة لهذا أكبر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونأمل أن تلهم نتائج هذه العملية المزيد من البحوث في المستقبل في المناطق الأخرى وأن تعزز دور منظمات المجتمع المدني الدولية والمنظمات غير الحكومية وغيره من العوامل الضرورية لفهم وتحسين أنظمة المساءلة المتكاملة في التمويل الدولي. هذه التحقيقات قد تفيد نظام المساءلة لكي يحقق بشكل أفضل مبدأه الأساسي المتمثل في ضمان سماع صوت المجتمعات في الدفاع عن أراضيها ومواردها وهوياتها الثقافية واحترامها وكرامتها.

المشكلة

انخفاض مقدار الشكاوى

مقارنة أعداد الشكاوى والمشروعات

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بها أقل عدد من الشكاوى مقارنة بكل المناطق الأخرى حيث يبلغ عدد الشكاوى بها 73 شكوى موزعة على تسع بلدان: مصر (26) – تونس (12) – الأردن (10) – المغرب (9) – لبنان (6) – اليمن (4) – فلسطين/إسرائيل (3) – العراق (1) – الإمارات العربية المتحدة (1) – غير معروفة (1). تحتل هذه المنطقة أيضًا ثاني أقل مرتبة في عدد الشكاوى التي وصلت عملية الشكوى فيها لنتيجة. انخفاض عدد الشكاوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومعدل وصول الشكوى لنتيجة يبين أن آليات المساءلة المستقلة في المنطقة صعبة الاستخدام كوسيلة لتحديد الأخطار وفاعليتها قليلة في جبر الأضرار مقارنةً بالمناطق الأخرى على مستوى العالم. فيما يلي نناقش الفرضيات التي تحاول أن تفسر أسباب حدوث هذا والتبعات المختلفة لهذه الاتجاهات على قدرة المجتمعات على الوصول للإنصاف وجبر الضرر وعلى حالة المحاسبة في التمويل الدولي.

تم الانتباه لانخفاض معدل تقديم الشكاوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجال منذ فترة. فرُصِد في عام 2015 أن "3٪ فقط من الشكاوى تم تقديمها من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رغم ضخامة المحافظ الإقليمية لبعض المؤسسات المالية الدولية وأنشطة الانتشار الخاصة بآليات المساءلة المستقلة نفسها". لكن بعد ذلك بسبع سنوات٬ ما زالت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بها أقل عدد مطلق من الشكاوى مقارنة بأي منطقة أخرى. فقد تم تقديم 73 شكوى فقط في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهو رقم أقل بشكل لافت من المتوسط العالمي الذي يبلغ 195 شكوى لكل منطقة.

إحدى النظريات التي تفسر انخفاض عدد الشكاوى المقدمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقارنة بالمناطق الأخرى هي أن هناك مشروعات أقل في المنطقة للشكوى بخصوصها. في الحقيقة٬ التصنيف الإقليمي لإجمالي المشروعات التي تمولها مؤسسات مالية دولية يبين توزيعًا متشابهًا بشدة.

لكن حتى بعد أخذ قلة العدد المطلق من المشروعات في الحسبان٬ تبقى نسبة المشروعات التي قُدمت شكاوى بخصوصها أقل من أي منطقة أخرى.

المتوسط العالمي للشكاوى المقدمة لكل مشروع هو 3.2٪ (1258 مشروع بها شكاوى من حوالي 38840 مشروع تقريبًا). منطقة جنوب آسيا بها أعلى معدل شكاوى لكل مشروع٬ ويبلغ 5.8٪ (205 من 3562). منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بها أدنى معدل من الشكاوى المقدمة لكل مشروع٬ ويبلغ 1.9٪ (58 من 2988)٬ وإن كانت منطقتي جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء بهما أيضًا نسب أقل من المتوسط للمشروعات التي بها شكاوى حيث تبلغ النسبة 2٪ (89 من 4477) و2.5٪ (240 من 9586) على الترتيب.

تفسير الفرق

انخفاض معدل الشكاوى المقدمة لكل مشروع له عدد من التبعات الممكنة التي تستحق التحقيق. إحدى النظريات هي أن المؤسسات المالية الدولية تركز في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الاستثمارات ذات المخاطرة الأقل٬ لكن من المستبعد أيضًا أن يكون هذا هو الحال: فنسبة المشروعات ذات المخاطر العالية (الفئة أ) 11٪ وهي تعتبر أعلى قليلًا من المتوسط العالمي (9٪).

هناك تفسير آخر محتمل وهو أن مشروعات التنمية لا ينجم عنها أي أضرار أو أن احتمالية وقوع الأضرار أقل لأن الضمانات الاجتماعية والبيئية تطبق بشكل أفضل ويتم الالتزام بها بشكل أكبر٬ ومن ثم الأضرار تحدث بدرجة أقل. من الممكن أيضًا أن تكون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بها بدائل مناسبة أكثر من نظام شكاوى آلية المساءلة المستقلة ومتاحة للناس لكي يقدموا شكاوى ويتم معالجتها مثل العمليات القضائية الفعالة بالمحاكم. ولكن٬ أي تحليل إقليمي سريع يستبعد هذين الاحتمالية٬ فالأضرار تحدث بكل وضوح والأنظمة البديلة التي يمكن أن يلجأ الناس إليها للإنصاف قليلة.

هناك احتمالية أخرى مزعجة لكنها أكثر واقعية٬ وهي أن الضرر يحدث لكن لا يتم الحديث عنه بسبب عوامل مثل معوقات الوصول للعدالة ومحدودية المعرفة بنظام الشكاوى الخاص بآليات المساءلة المستقلة وضعف المجتمع المدني الذي يجعله غير مستعد أو غير قادر على تقديم الشكاوى من الأضرار لأسباب سياسية أو اجتماعية ومنها ارتفاع احتمالية حدوث انتقام أو الخوف من ذلك. من الجدير بالذكر أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي المنطقة الوحيدة التي لا يوجد بها بنك إقليمي وآلية للمساءلة المستقلة مرتبطة به٬ وهو ما يمكن أن يؤثر على إتاحة آليات المساءلة المستقلة كوسيلة فعالة للإنصاف. ولكي نفهم أي من هذه النظريات يفسر الانخفاض الملحوظ للشكاوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سواء بشكل مطلق أو نسبي٬ تناولنا هذه التبعات المحتملة من خلال بحثنا الكيفي مع منظمات المجتمع المدني التي لديها خبرات في تقديم شكاوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومع ممثلي آليات المساءلة المستقلة الذين لديهم خبرة في التعامل مع الشكاوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي الأدبيات الموجودة بخصوص هذه الموضوعات.

انخفاض معدل وصول الشكاوى لنتيجة

تحديد نتائج عمليات آليات المساءلة المستقلة

معظم آليات المساءلة المستقلة مصممة للتعامل مع الشكاوى من خلال عمليتين أساسيتين: حل النزاعات وتقرير الامتثال. في حل النزاعات٬ تدخل الأطراف المعنية بشكل طوعي في حوار تتم إدارته بوساطة طرف آخر أو عملية تقصي حقائق مشتركة أو غيرها من العمليات التي يتم تيسيرها بهدف التوصل لحلول مقبولة من كل الأطراف للقضايا التي يواجهها أصحاب الشكاوى. تتنوع الأطراف المنخرطة في عمليات حل النزاعات٬ لكنها غالبًا ما تتضمن أصحاب الشكاوى و/أو ممثليهم والمنفذ/الشركة المسؤولة عن المشروع وعملاء الاستثمار والمسؤولين الحكوميين وإدارة البنك. يساعد ممثلو آلية المساءلة المستقلة في تيسير عملية حل النزاعات٬ ويتضمن ذلك تعيين وسطاء مستقلين. في مراجعة الامتثال٬ آلية المساءلة المستقلة والخبراء المختارون يجرون تحقيقا لتحديد إن كان البنك التزم بسياساته المتعلقة بالضمانات البيئية والاجتماعية٬ وتنتهي العملية بتقرير علني يتضمن نتائج التحقيق. الشكاوى التي تصل لاتفاق في عملية حل النزاعات أو يُنشر بخصوصها تقرير علني عن الامتثال تُعتبر أنها وصلت لنتيجة من عملية الشكوى لآلية المساءلة المستقلة. ومن الجدير بالذكر أن الوصول لنتيجة من عملية الشكوى لآلية مساءلة مستقلة لا يعني أي حكم على جودة هذه النتائج٬ ولا يوضح إن كانت هذه النتائج أنتجت أي مخرجات أو جبر للأضرار بالنسبة للمجتمعات المعنية.

النتائج في كل منطقة

نسبة الشكاوى التي تصل لنتيجة من عملية الشكاوى منخفضة في كل مكان. فعلى مستوى العالم٬ أقل من شكوى من كل خمسة شكاوى (18.5٪) تنتهي باتفاق أو نشر تقرير خاص بالامتثال. أما منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فالشكاوى بها تأتي في ثاني أقل مرتبة في معدل الوصول لنتائج بين مختلف المناطق٬ فـ 13٪ فقط من الشكاوى المقدمة تنجح في الوصول لنتيجة من هذه العملية.

هناك أكثر من عنق زجاجة خطير في عملية آلية المساءلة المستقلة يمنع أصحاب الشكاوى عن الوصول لنتيجة. ولو ألقينا نظرة أكثر تدقيقًا على مراحل معينة من عملية الشكوى لآلية المساءلة المستقلة قد يساعدنا هذا على تحديد أسباب الانخفاض الشديد في معدلات النتائج التي يتم التوصل لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

المراحل الأولية في عملية الشكوى

معظم آليات المساءلة المستقلة بها مرحلتان أوليتان (التسجيل والتأهل) يجب أن تمر بهما الشكاوى حتى تنتقل بعد ذلك لمرحلة المعالجة الموضوعية للشكوى. التسجيل هو المرحلة الأولى في عملية آلية المساءلة المستقلة٬ وفيها تحدد الآلية إن كانت الشكوى تستوفي المعايير الدنيا الأساسية لتقدم الشكوى. وتتنوع معايير التسجيل وفقًا لآلية المساءلة المستقلة٬ ولا تتبناها كل آليات المساءلة المستقلة. وتحدد المقاييس الموضوعة للتأهل إن كانت شكوى ما تستوفي كل معايير التقدم للمرحلة التالية المتعلقة بمعالجة الموضوع٬ وتتنوع آليات التأهل المحددة وفقا لآلية المساءلة المستقلة حيث تخفض أكثر من نصف الشكاوى في عبور هذه المرحلة الأولية.

هناك أسباب وجيهة قد تمنع تأهل الشكوى مثل أن تكون الشكوى متعلقة بموضوعات خاصة بتدبير مشتروات أو بفساد خارج نطاق صلاحيات آلية المساءلة المستقلة. لكن البحوث السابقة طرحت أيضًا أسئلة حول بعض جوانب صنع القرار التي تتم في هذه المرحلة. فعندما تم رصد التأهل باعتباره عنق زجاجة لأول مرة في 2016 كانت 42.5٪ من الشكاوى يتم قبولها واعتبارها مؤهلة لاستكمال العملية بعد المرحلتين الأوليتين٬ واليوم أصبحت تلك النسبة 41.1٪. لكن التصنيف الإقليمي يبين عدم أن نسب التأهل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (46.3٪) ليست متباينة بشكل كبير مع المتوسط العالمي.

بعد ذلك بخطوة واحدة٬ نجد أن هناك معوقات كبيرة أمام الشكاوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتجاوز مرحلة تأهل الشكوى أو قبولها من الناحية الإجرائية إلى الدخول الفعلي في مرحلة موضوعية من عملية الشكوى: حل النزاعات أو مراجعة الامتثال.

هذا عيب صارخ وغالبًا ما يتم تجاهله. معروف بشكل عام أن محددات تأهل الشكاوى تمنع شكاوى كثيرة من الوصول الفعلي لهذه العمليات٬ وأن أصحاب الشكاوى التي تدخل بنجاح مرحلة المعالجة الموضوعية لا يخرجون دائمًا من هذه العمليات بنتيجة. لكن البيانات توضح أن هناك نقطة وسيطة هامة تفشل عندها الشكاوى في الاستمرار حيث لا تحصل الشكاوى المؤهلة على الفرصة لدخول مرحلة المعالجة الموضوعية على الإطلاق. في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا٬ واحدة من كل ثلاث شكاوى مؤهلة لا تصل أبدًا لمرحلة المعالجة الموضوعية٬ وهو أدنى معدل في أي منطقة في العالم. المعوقات التي تمنع الشكاوى المؤهلة من دخول مرحلة المعالجة الموضوعية قد تتعلق بسياسات معينة من سياسات آليات المساءلة المستقلة (مثل اشتراط موافقة المجلس ) التي تمنع إتاحة مراحل المعالجة الموضوعية أو رفض الحكومات أو الشركات القائمة على المشروعات المشاركة في حل النزاعات أو صدور قرار من الآلية نفسها بأن الاستمرار في العملية غير ضروري.

مراحل المعالجة الموضوعية في عملية الشكوى

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ليس بها فقط أدنى معدل للشكاوى المؤهلة التي تصل لمرحلة المعالجة الموضوعية. لكن حتى حين يتم البدء في عملية حل النزاع أو مراجعة الامتثال٬ نجد أن معدل الوصول لنتيجة بعد بلوغ هذه المرحلة يبقى منخفضًا بشكل غير متناسب. بالنسبة للمتوسط العالمي 69٪ من الشكاوى التي تصل لمرحلة حل النزاع ينتج عنها اتفاق عام٬ مقارنة بنسبة 57٪ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بالنسبة لمراجعة الامتثال٬ المقارنة صادمة بدرجة أكبر: فعلي مستوى العالم 82٪ من كل مراجعات الامتثال ينتج عنها تقرير٬ و83٪ من هذه التقارير تتوصل إلي نتيجة بعدم الامتثال للأنظمة. لكن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا٬ 33٪ فقط من عمليات مراجعة الامتثال ينتج عنها تقرير و66٪ منها يتوصل إلى أنه لم يتم الامتثال للأنظمة.

انخفاض معدل النتائج التي تصل إليها عمليات الشكاوى له عدد من التبعات التي تستحق المزيد من الاهتمام٬ ومنها التباين في طرق تعامل آليات المساءلة المختلفة مع الشكاوى٬ وكذلك التباين في طرق التعامل مع الشكاوى في كل آلية مساءلة مستقلة معينة. قد يكون الأمر مرتبطًا بالتنوع في القضايا المطروحة أو العمليات التي يتم القيام بها مثل أنواع الفاعلين المنخرطين في المشروع أو ديناميكيات القوة القائمة في مختلف مراحل عملية الشكاوى أو انخراط المجتمع المدني وغيره من الفاعلين الداعمين لعملية الشكاوى.

نتائج البحث

لقد رصدنا وجود قيود كبيرة على عملية آلية المساءلة المستقلة٬ وهو ما يبدو أمرًا مؤثرًا على كل من عدد الشكاوى المقدمة وأنواع المخرجات التي تتوصل لها الشكاوى من عمليات آليات المساءلة المستقلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تتضمن هذه القيود الاحتياجات المتعلقة باللغة والترجمة ونقص المعرفة المسبقة بآليات المساءلة المستقلة والوقت الكثير والموارد الكبيرة المطلوبين لكي تنخرط المجتمعات في العملية ومقدار انخراط منظمات المجتمع المدني في عمليات الشكاوى وسلطة آلية المساءلة المستقلة في اتخاذ القرار واستقلالها في العمل وديناميكيات القوة غير المتوازنة بشدة. وكما هو مذكور في كتاب (نصف الكوب الممتلئ؟) ٬ الكثير من هذه القيود لوحظ وجودها أيضًا في أماكن أخرى حول العالم وليست ملازمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقط.

لكن هذه القيود العامة على عملية آلية المساءلة المستقلة تتفاقم حين تمتزج مع عوامل أخرى سائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مثل ضعف المجتمع المدني وعدم الاستقرار السياسي وارتفاع مخاطر انتقام الدولة. وتشير بياناتنا الكمية إلى أن هذه العوامل أدت إلى الانخفاض النسبي في مقدار الشكاوى المقدمة والانخفاض الشديد في النتائج التي يتم التوصل لها من عملية الشكوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. انخفاض معدل التوصل لنتائج قد يؤدي حتى إلى تثبيط الناس عن تقديم الشكاوى في المنطقة: فوجود شكاوى لا تعالجها آليات المساءلة المستقلة يخلق قناعة بقلة فاعلية هذه العمليات٬ ومن ثم تنخفض أعداد المجتمعات التي تعتبر آليات المساءلة المستقلة سبيلًا للتعامل مع الأضرار.

هناك عدد من القضايا الأساسية التي طُرحت أثناء عملية المراجعة الكيفية مع منظمات المجتمع المدني المنخرطة في الشكاوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأثرت على إتاحة آليات المساءلة المستقلة٬ ومن ثم على الإنصاف من الأضرار. الكثير من هذه القضايا يختبرها أصحاب الشكاوى والمجتمعات والمناصرون في العالم كله بلا شك. لكن السياقات الاجتماعية السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضخمت من مقدار وشدة الكثير من هذه الموضوعات. وتقدم الأقسام التالية تحليلًا للموضوعات الأساسية التي تواجهها منظمات المجتمع المدني والأفراد المنخرطين في الشكاوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تقيد من عدد الشكاوى التي يتم تقديمها وتسبب انخفاض معدل النتائج. ووضعنا أيضًا توصيات للمؤسسات المالية الدولية وآليات المساءلة المستقلة من أجل معالجة هذه القضايا.

المجتمع المدني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

اجتماع مجموعات من المجتمع المدني من مختلف أنحاء المنطقة للتدريب على آليات المساءلة المستقلة في بيروت – يوليو 2022. مصدر الصورة: Accountability Counsel

الآثار الاجتماعية السياسية على المجتمع المدني

"المواطنون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتم التعامل معهم وكأنهم بلا قيمة. المجتمع المدني ضعيف ومقهور٬ فالدولة تتحرش بالمجتمع المدني ولا تتركه يلعب دوره باستقلالية. ليس أمام المواطنين سبيل للدفاع عن حقوقهم. ولكي تحصل منظمة مجتمع مدني ما على الدعم أو التمويل٬ يجب أن ترتبط بمجموعة ما ولا يمكن أن تبقى مستقلة." (مركز التنمية لجهة تانسيفت)

إن إطار عمليات آلية المساءلة المستقلة يتضمن بالفعل مصالح متعارضة وديناميكيات قوة معقدة وتعاون دقيق بين عدة أطراف لا تثق كل منها في الآخر كثيرًا٬ ويصبح أكثر صعوبة في السياق الاجتماعي السياسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لقد تم كبت وإضعاف المجتمع المدني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بفعل القهر الطويل والمستمر والحروب والأعمال الانتقامية والفساد. “في مختلفة أنحاء المنطقة٬ عودة الأنظمة السلطوية في الكثير من البلدان أدى إلى تقلص مساحة المجتمع المدني. فالهجمات على المعارضة السياسية وتقييد حرية التعبير وغياب وسائل الإعلام المستقلة ومنظمات المجتمع المدني أمور شديدة الانتشار.” وبسبب إضعاف وقهر المجتمع المدني٬ أصبح من الممكن النظر لثقافة الشكوى ورفع الصوت ضد المشروعات التي ترعاها الحكومة وكأنهما هجوم على الأمة نفسها.

“عادة ما تكون المشروعات كبيرة الحجم في الشرق الأوسط مرتبطة بمناهج التخطيط والسياسات التي تفرض من أعلى لأسفل التي ترهب المجتمعات المحلية. أعرف قصصًا من مصر وأماكن أخرى حيف يخاف الناس حقًا من معارضة الحكومة. فبالنسبة إليهم٬ التوجه لإحدى آليات المساءلة المستقلة يتم النظر إليه وكأنه شيئًا إجراميًا أحيانًا" (مجموعة 5)

هذه التفاعلات تزداد سوءً بسبب المؤسسات المالية الدولية نفسها٬ فتحويل مبالغ طائلة من المال للوزارات الحكومية يمكن النظر إليه باعتباره إضفاءً للشرعية على تلك الهيئات٬ ومن ثم أي اعتراض أو تحد لذلك التمويل يعتبر هجومًا على شرعية الدولة نفسها. وهكذا يخاف الكثيرون من تنظيم أنفسهم في مواجهة مصالح الفاعلين السياسيين النافذين. وهناك مؤشرات تبين أن ارتفاع مخاطر الانتقام – سواء كان فعليًا أو محتملًا – يعطل تقديم الشكاوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فالأضرار على الأجر ما زالت تحدث٬ لكن لا يتم الحديث عنها وبالتالي تنخفض أعداد الشكاوى المقدمة في المنطقة.

من يتحدثون عن الأضرار ويقدمون الشكاوى يواجهون مخاطر الانتقام الكبيرة والتهديدات. معظم المنظمات التي تقدمت بشكاوى سابقًا ذكرت أن مسألة الخوف من الانتقام كانت أمرًا مقلقًا بشدة لأفراد المجتمع ومناصريهم. ممثل إحدى المنظمات شرح أن حوادث الانتقام من أفراد المجتمع بدأت قبل تقديم الشكوى: "[أفراد المجتمع] أخبروني قبل تقديم الشكوى بحدوث مواقف بها تهديد وعنف وشجار في الشارع" (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية). ممثل من منظمة أخرى ذكر خبرة شبيهة حدث فيها تهديد قبل تقديم الشكوى وتبعه انتشار لقوات عسكرية بعد تقديم الشكوى:

"في اليوم الذي بدأنا فيه التعبير عن مخاوفنا، قوبلنا باتهامات بالخيانة والعمل مع أعداء الدولة، وكان ذلك بمثابة تهديد لنا. لم نشعر في أي وقت أن هناك مساحة لمناقشة مخاوفنا مع الحكومة. أما بعد تقديم الشكوى، تواجدت قوات الأمن على الأرض في الموقع، وقاموا بترهيبنا بطرق عدة، حتى أنهم قاموا باستدعائنا للتحقيق حول منشوراتنا على وسائل التواصل الاجتماعي."(المجموعة 4)

في هذه الخبرات واجهت المجتمعات الانتقام قبل التقدم الرسمي بالشكوى٬ وهي علي الأرجح تؤدي لتثبيط الناس عن تقديم الشكاوى الرسمية أمام آليات المساءلة المستقلة.

"الوضع في البلد صعب جدًا. لا أستطيع أن أتوجه للمجتمع كمنظمة حقوقية. النشطاء غير مستعدين لرفع صوتهم٬ فالثمن باهظ. الناس منخرطون في مجتمعهم ومستعدون لفعل شيء٬ ونحن مستعدون لدعمهم وتنظيمهم٬ لكنني لا أرى جدوى من هذا الآن في البلد.”(المبادرة المصرية للحقوق الشخصية)

ممثلو مجموعات المجتمع المدني والمجتمعات التي تقدم الشكاوى تحدثوا أيضا عن حالات انتقام ارتكبتها المؤسسات المالية الدولية نفسها ضدهم ردًا على شكاواهم.

"تعامل المسؤولون في آلية المراجعة المستقلة بالبنك الأفريقي للتنمية معنا بطريقة محايدة واحترافية. لكن ممثلي البنك الأفريقي للتنمية في المغرب كانوا منحازين للشركة التي تمتلك المشروع٬ واعتبروا أن عمل منظمتنا يعيق المشروعات التنموية. بل إنهم وضعونا في القائمة السوداء بسبب تقديم هذه الشكوى.” (مركز التنمية لجهة تانسيفت)

إن انخراط البنك في عمليات آليات المساءلة المستقلة يمكن أن يلعب أيضًا دورًا حاسمًا في تحقيق التقدم فيما يتعلق بمخاوف المجتمع٬ وذلك عن طريق إضفاء الشرعية على المنظمات التي تقدم الدعم أمام حكوماتهم. ففي إحدى الحالات٬ قامت إحدى المجموعات التي عقدنا معها مقابلة بإرسال شكواها إلى إدارة البنك قبل تقديمها من خلال آلية المساءلة المستقلة:

“دافع القائمون على البنك وفريق المشروع عنا قائلين إن [منظمتنا] تقوم بدور مشروع. ففي الجزء الذي نعيش فيه من العالم٬ المجتمع المدني ليس مرحبًا به فالناس يمكن أن تدخل السجن٬ وهذا اختلاف كبير [مقارنة بالمناطق الأخرى]. لذلك كان قيام العاملين في البنك بتذكير حكوماتنا أن وجود[نا] شرعي واعترافهم بأن لنا مكان على الطاولة أمرًا جوهريًا لنجاحنا"(إيكو بيس الشرق الأوسط)

وقد لاحظ المبحوث أن هويته ووضعه أثرا بشدة على علاقته بالعاملين في البنك وآلية المساءلة المستقلة قائلًا:“أنا رجل أبيض معي شهادة في القانون من جامعة بالعاصمة الأمريكية واشنطن٬ وهذا يشكل فارقًا هائلًا في كيفية تعامل العاملين في البنك معي بكل تأكيد.” (إيكو بيس الشرق الأوسط)

عندما تستخدم مؤسسات التمويل المرتبطة بمشروعات تنموية عملاقة نفوذها عن طريق جعل التمويلات مشروطة بحماية أصحاب الشكاوى٬ فإنهم يشجعون الحكومات على الحفاظ على انخراط المجتمع المدني ومشاركته في صنع القرار في هذه المشروعات التي تؤثر على حيوات مواطنيهم ومجتمعاتهم. “الأمر لا يتعلق فقط بإعلام المجتمع المدني بالفرص الموجودة٬ وإنما بأهمية أن تخبر هذه المؤسسات المالية الدولية الحكومات المعنية بأن هذه المنظمات شرعية وأننا سنحمي قيامهم بدورهم في معالجة المشكلات والنزاعات وأنكم لو حاولتم إيقافهم سنتوقف عن تمويل المشروع"”(إيكو بيس الشرق الأوسط)

التوصية: كل من المؤسسات المالية الدولية وآليات المساءلة المستقلة عليها مسؤولية معالجة مخاطر الأعمال الانتقامية. والكثير من آليات المساءلة المستقلة (مثل مستشار الامتثال / أمين المظالم بمؤسسة التمويل الدولية٬ وآلية التحقيق والتشاور المستقلة بالبنك الأمريكي للتنمية٬ وهيئة التفتيش بالبنك الدولي٬ وآلية الإنصاف المستقلة بصندوق المناخ الأخضر) وضعت مبادئ إرشادية أو بروتوكولات للتعامل مع مخاطر الانتقام٬ وهو ما يعتبر أساسًا جيدًا. لكن ما زال هناك ثغرات٬ وهناك حاجة للقيام بالمزيد على المستوى المؤسسي. ولمواجهة هذه الثغرات٬ نوصي بما يلي:

  • تبني سياسات عدم التسامح مطلقًا والالتزام بها. ويعني هذا في الممارسة عدم إلقاء عبء كبير في الإثبات على الناس الذين يتعرضون للأعمال الانتقامية.
  • استخدام مرتكزات التأثير لمنع الأعمال الانتقامية والتعامل معها حال وقوعها. ويجب أن يتضمن هذا إيقاف التمويل حين يكون هذا ملائمًا تماشيًا مع مبادىء الخروج المسؤول.
  • تطوير إجراءات وبروتوكولات وتوجيهات واضحة بشأن الأعمال الانتقامية. ويجب التعامل بجدية مع تنفيذ هذه القواعد الإرشادية٬ وتدريب العاملين في البنك/آلية المساءلة المستقلة دوريًا/بشكل سليم على التعامل مع حالات الانتقام.

موارد وقدرات منظمات المجتمع المدني

إن قمع المجتمع المدني في المنطقة بشكل عام أدى أيضًا إلى وجود عدد قليل من منظمات المجتمع المدني المسجلة العاملة في المنطقة. “المجتمع المدني المنظم يواجه بشكل خاص تحديات تعود للقيود المفروضة على قدرته على التسجيل والعمل في شتى أنحاء المنطقة ولحالة انعدام ثقة الحكومات بشكل عام في المنظمات غير الحكومية." لقد شاهدنا هذا يحدث فعليًا أثناء القيام بهذا البحث٬ فإحدى منظمات المجتمع المدني الفلسطينية التي كنا نجري معها مقابلة بحثية تم إعلانها منظمة إرهابية من قبل دولة اسرائيل. ومن ثم تم تأجيل خططهم لتقديم شكوى لأجل غير مسمى خوفًا من العواقب.

لكن حتى حين تحصل منظمات المجتمع المدني على الترخيص الرسمي بالعمل٬ فإنها تواجه معوقات أخرى تمنعها عن الانخراط الفعلي في عمليات التنمية٬ كما يقول المرصد اليمني لحقوق الإنسان:

"الحكومة لا تعترف بالمجتمع المدني بشكل حقيقي. إنها تعطيهم ترخيص بالعمل لكنها لا تعترف بهم حقًا كشركاء.. نعلم أن مشاركة المجتمع المدني هامة جدًا ليس فقط من أجل الشفافية والحقوق٬ وإنما أيضًا لتعزيز نتائج التنمية. فهذه المشاركة تضمن مشاركة المجموعات التي تتأثر بالتنمية لأن منظمات المجتمع المدني لديها صلات بالمجتمعات وتعرف احتياجاتها.”(المرصد اليمني لحقوق الإنسان)

محدودية أعداد منظمات المجتمع المدني المتاحة لدعم الشكاوى أدت إلى إثقال كاهل هذه المنظمات بالأعباء٬ وهو ما قيد بشدة موارد وقدرات منظمات المجتمع المدني القائمة ومن ثم إنهاكها. فحين سألنا المنظمات إن كانت مستعدة لتقديم شكاوى مرة أخرى٬ جاوبت كلها تقريبًا بـ "لا" مدوية.

“لقد تطلب الأمر جهودًا كبيرة تطوعًا٬ حيث لم نحصل على أي أموال طوال خمس سنوات كاملة استغرقتهم العملية ولا حتى بدلات الانتقال. وذلك لأن البنك لا يستطيع تمويل شركة لبناء مشروع وتمويل كيانات معارضة تشتكي من نفس المشروع. توجهت [آلية المساءلة المستقلة] إلينا للتحقيق في بعض الأمور المتعلقة بمشروعاتهم٬ وقلنا إننا متعبون. ولو جاءتنا أي شكوى أخرى لن نتولاها لأننا منهكون. بدوننا ما كانت الشركة لتتصور أبدًا أن مجموعة من المجتمع المدني يمكن أن تمارس الضغط عليها. فقد افترضت الشركة أنها ستقوم بتسويف الأمر وتصل لنهاية المشروع وتحصل على الأموال التي تخصها٬ ولم تتصور أبدًا أن مجموعة من المجتمع المدني ستنجح في الوصول لنهاية العملية بأكملها. وقد كانت على حق فالمجموعات الأخرى لا تستطيع فعل هذا٬ وهذه المجموعة منهكة جدًا ولا تستطيع القيام بهذا مجددًا. يجب أن يتم دعم هذه المجموعات لكي تتمكن من الاستمرار خاصةً وأن هذه القضايا تأخذ سنوات. فنحن لم نعمل بشكل تطوعي فقط٬ بل دفعنا أيضًا تكاليف مثل الانتقالات لمدة خمس سنوات من جيوبنا الخاصة." (مركز التنمية لجهة تانسيفت)

“سأتردد في تقديم أي شكوى مرة أخرى. كمنظمة غير حكومية ربما أقوم بهذا ثانيةً لكن ليس بمفردي. الناس تتوقع نتائج وتنتظر قدر ما من الإنصاف وجبر الضرر. لن أذهب مرةً أخرى لمجتمع يتألم وأقول لهم هيا نقدم شكوى ستأخذ سبع سنوات.” (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية).

كل المنظمات التي تم عقد مقابلات معها تقريبًا اتفقت على أن الموارد المطلوبة للانخراط الفعال والكامل في عمليات شكاوى آليات المساءلة المستقلة غير مستدامة. وقد اقترح الكثيرون أن دعم منظمات المجتمع المدني أمر جوهري وأنه حتى في ظل توافر الدعم من منظمات المجتمع المدني تبقى العملية صعبة جدًا بالنسبة للمجتمعات والمنظمات الداعمة لهم.

أدرجت الكثير من آليات المساءلة المستقلة بنود متعلقة بتمويل أصحاب الشكاوى في سياساتها. فعلي سبيل المثال٬ أضافت آلية المراجعة المستقلة بالبنك الأفريقي للتنمية مؤخرًا سياسة متعلقة بتغطية تكاليف المشاركة نصت على أن آلية المراجعة المستقلة ستتحمل كافة تكاليف المشاركة في حل النزاع أو مراجعة الامتثال أو رصد العمليات لكي تضمن فاعلية المشاركة. ومن المفهوم أن هذا يتضمن تكاليف مثل السفر ومصروفات الاجتماعات والدراسات والتقنيات المطلوبة. سياسة آلية الإنصاف المستقلة بصندوق المناخ الأخضر تتضمن أيضًا نص متعلق بتكاليف المشاركة. “الطريقة التي يُترجم بها ذلك [البند] إلى تغيير فعلي على الأرض هي كالتالي: إن كان الشخص أم عزباء تحتاج لإيجاد حضانة ليبقى الطفل فيها٬ يمكننا دفع هذه التكلفة وكذلك تكاليف السفر والوجبات إلخ. وقد حرصت الآلية على التأكد من وجود بند يسمح بالدفع للناس الذين ليس لديهم حسابات بنكية من حيث الاتساق مع الضوابط المالية. كذلك يمكن دفع التكاليف للناس إن كانوا بحاجة لمحامِ على سبيل المثال٬ فهذا البند تفسره آلية المراجعة المستقلة تفسيرًا رحبًا" ( آلية الإنصاف المستقلة بصندوق المناخ الأخضر). علاوة على ذلك٬ بعض آليات الشكاوى وجهات الاتصال الوطنية تغطي أيضًا التكاليف التي يتكبدها أصحاب الشكاوى.

التوصية: لكي تكون عمليات آليات المساءلة المستقلة فعالة ومنصفة٬ يجب أن تقدم البنوك وآليات المساءلة المستقلة تمويلًا مباشرًا لأصحاب الشكاوى ومناصريهم للانخراط في عمليات شكاوى آليات المساءلة المستقلة. ولوضع هذا موضع التنفيذ٬ نوصي بما يلي:

  • تقديم تمويل مباشر مسبقًا للمجتمعات والمناصرين المنخرطين في عمليات آليات المساءلة المستقلة. ويجب أن يكون لدى البنوك وآليات المساءلة المستقلة بنود مخصصة في الميزانيات لدفع أجور الخبراء (مثل خبير القضايا البيئية والاجتماعية لإجراء تقصي للحقائق) وتكلفة الانتقالات (مثل أجرة المواصلات المطلوبة لحضور الاجتماعات) ومصاريف الاجتماعات والتقنيات المطلوبة للاتصال (مثل الهواتف وبطاقات تعريف المستخدم (سيم كارت)).

الاتجاهات العالمية في الشكاوى المقدمة لآليات المساءلة المستقلة تبين أن احتمالية النجاح ترتفع بشكل كبير مع انخراط منظمات المجتمع المدني وأن نوع منظمات المجتمع المدني (دولية أو وطنية أو محلية) المنخرطة يشكل فارقًا هو الآخر. 59٪ من الشكاوى المقدمة بمشاركة منظمات المجتمع المدني الدولية وصلت لنتيجة٬ مقارنة بـ 33٪ من الشكاوى المقدمة بمشاركة منظمات المجتمع المدني المحلية أو الوطنية. و25٪ فقط من الشكاوى التي تقدم بدون مشاركة من المجتمع المدني على الإطلاق تصل لنتيجة.

يبدو أن مشاركة منظمات المجتمع المدني الدولية في عمليات شكاوى آليات المساءلة المستقلة أحد العوامل الأساسية وراء وصول هذه العمليات إلى نتائجها بنجاح. إن هذه العمليات مصممة بحيث توفر فرصة للمجتمعات المتضررة من الاستثمارات الدولية والمشروعات التنموية الممولة لكي تسمع شكاواها وتحصل على الإنصاف من أي أضرار وقعت لها. وهذه النتيجة تشير إلى أن المجتمعات تواجه قيودًا ومعوقات كبيرة في غياب دعم منظمات المجتمع المدني٬ حيث يمنع غياب هذا الدعم إتاحة عمليات شكاوى آليات المساءلة المستقلة والتوصل للإنصاف من خلالها بشكل متساوي. وهذه المعوقات أمام الوصول لهذه الآليات ونتاجها أدت إلى أن تتسم عمليات شكاوى آليات المساءلة المستقلة بعدم الإنصاف.

هناك منظمة مجتمع مدني دولية واحدة معروف أنها تنخرط في تقديم أو دعم الشكاوى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وهذه المنظمة هي منظمة المجتمع المدني الدولية الوحيدة أيضًا التي لها مكتب إقليمي في المنطقة. إن غياب منظمات مجتمع مدني دولية عاملة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشير إلى أن هذا عامل مساهم في انخفاض معدلات نجاح الشكاوى في المنطقة. وقد ذكر أحد الممثلين لآلية من آليات المساءلة المستقلة تحدثنا معه أن محدودية عدد منظمات المجتمع المدني الدولية٬ بالإضافة إلى قلة منظمات المجتمع المدني الإقليمية أو الوطنية أو المحلية٬ ساهم في انخفاض عدد الشكاوى المقدمة في المنطقة:

"بشكل عام٬ هناك اهتمام أقل من قبل منظمات المجتمع المدني الدولية. كذلك٬ مساهمات وتوافر منظمات المجتمع المدني ومنظمات المجتمع المدني الدولية أقل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. قد يكون الأمر متعلقًا بالمعوقات اللغوية وصعوبة وجود ناس ليتم التواصل معهم علي الأرض. فهناك منظمات أكثر في المناطق الأخرى (حتى لو كانت روابط أو مجموعات أصغر) وهي أكثر نشاطًا في أوروبا وغيرها من المناطق." (آلية الشكاوى الخاصة بالبنك الأوروبي للاستثمار)

أثر منظمات المجتمع المدني الدولية على وصول الشكاوى لنتيجة من عمليات آليات المساءلة الدولية٬ مقترنًا بمحدودية أعداد منظمات المجتمع المدني الدولية العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا٬ يشير إلى أن هذا ساهم في الانخفاض الشديد في معدلات الشكاوى التي تصل لنتيجة.

التوصية: يجب أن تتوفر للمجتمعات موارد كافية للانخراط في عمليات آليات المساءلة المستقلة٬ بغض النظر عن طبيعة ومقدار دعم منظمات المجتمع المدني. ولضمان إتاحة عمليات آليات المساءلة المستقلة ونتائجها نوصي بما يلي:

  • تحديد الجوانب التي تتطلب مشاركة منظمات المجتمع المدني لتحقيق النتائج والعمل على تقليل مشاكلها.
  • توفير تمويل مباشر للمجتمعات والمناصرين المحليين٬ كما هو مذكور سابقًا.

إن متوسط الفترة الزمنية التي تتطلبها الشكوى 286 يوم٬ لكن المتوسط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو 394 يوم. هذا العبء الزمني الإضافي يمتد لكل مراحل العملية ما عدا حل النزاع.

المرحلة متوسط الفترة الزمنية عالميًا (بالأيام) متوسط الفترة الزمنية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (بالأيام)
التسجيل 20, ع=1213 21, ع=52
التأهل 89, ع=929 132, ع=54
حل النزاع 424, ع=131 184, ع=8
حل النزاع بدون نتائج 487, ع=84 250, ع=4
مراجعة الامتثال 415, ع=222 529, ع=9
مراجعة الامتثال بدون نتائج 444, ع=182 652, ع=3

طول العملية وضخامة الموارد المطلوبة للمشاركة٬ بالإضافة إلى ضعف المجتمع المدني وانخفاض قدرة منظمات المجتمع المدني على المشاركة٬ يجعل عمليات آليات المساءلة المستقلة صعبة بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. 86٪ من المنظمات التي تم عقد مقابلات معها ذكرت أن الوقت والموارد المطلوبين للمشاركة في عمليات آليات المساءلة المستقلة ليسوا مستدامين ولا يتماشوا مع التوقعات المنتظرة من المشاركة قبل تقديم الشكوى. قالت إحدى المنظمات إنهم "لا يتوقعون الكثير من هذه الآليات بالنظر للتحضير والتوثيق الكثير المطلوب٬ لكن هذا أمر ضروري لكي تكون الدعوى ناجحة" (مجموعة 9). وقالت منظمة أخرى "سابقا كانت العمليات معقولة٬ لكن حاليًا أصبحت معقدة لدرجة إنها تتطلب منظمات مجتمع مدني متخصصة تعرف كيفية إجراء مثل هذه الشكاوى. [منظمات المجتمع المدني الموجودة] تحتاج لتدريب لكي تشارك فيها" (المرصد اليمني لحقوق الإنسان).

التوصية: للتعامل مع ضخامة الموارد والقدرات المطلوبة للانخراط في عمليات آليات المساءلة المستقلة٬ نوصي بما يلي:

  • وضع توقعات واقعية بخصوص الوقت والموارد المطلوبين للانخراط في عمليات آليات المساءلة المستقلة. ويتضمن هذا إعلام أصحاب الشكاوى بالإطار الزمني المتوقع للعملية لكي يتخذوا قرارهم بشأن تقديم الشكوى على أساس مستنير.
  • توفير تمويل مباشر للمجتمعات ومناصريها المحليين كما ذكر أعلاه.

إتاحة آليات المساءلة المستقلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

مزارعون من السكان الأصليين في تيداس بالمغرب نزحوا بسبب مشروع للدواجن تموله مؤسسة التمويل الدولية. بعد عملية لحل النزاع استمرت لسنوات٬ توصلت الشركة والمجتمعات المحلية لاتفاق وهذا يعتبر نصرًا نادرًا في هذه المنطقة. مصدر الصورة: - Accountability Counsel

معرفة العمليات

إن معرفة آليات المساءلة المستقلة وعملية الشكوى أمر أساسي لكي تتمكن المجتمعات ومناصريها من الاستخدام الفعال لهذه الآليات٬ ويتضمن هذا كيفية تقديم الشكوى بشكل سليم وأنواع القضايا التي تقع في نطاق اختصاص كل آلية من آليات المساءلة المستقلة وما هي العمليات المتاحة والوقت والموارد والتوقعات المتعلقين بالسير في عملية الشكوى.

70 ٪ ممن أجرينا معهم مقابلات ذكروا إنهم لم يكن لديهم معرفة سابقة بعملية الشكوى لآلية المساءلة المستقلة قبل تقديم الشكوى. ومن كان لديهم معرفة سابقة بوجود آليات المساءلة المستقلة لم يكن لديهم خبرة مباشرة في تقديم شكوى. وعلى الأرجح٬ انخفاض المعرفة بآليات المساءلة المستقلة حد من أعداد الشكاوى المقدمة. ومن العوامل التي تزيد هذا الوضع سوءً أنه لا توجد أي مؤسسات مالية دولية في منطقة الشرق الأوسط أو بالقرب منها. وهكذا٬ هناك احتياج قوي لزيادة جهود الانتشار والتواصل مع المجتمعات والمناصرين في المنطقة بخصوص عمليات وإجراءات الشكاوى لآليات المساءلة المستقلة.

التوصية: البنوك وآليات المساءلة المستقلة والعملاء يجب أن يكفلوا أن المجتمعات المتأثرة بالمشروعات على دراية بآليات المساءلة المستقلة٬ ويتضمن هذا ما تفعله هذه الآليات وكيف يمكن الاستفادة منها. ولوضع هذا موضع التنفيذ٬ نوصي بما يلي:

  • أن يكون هناك تكليفات واضحة لآلية المساءلة المستقلة بوضع سياسات للانتشار والتواصل.
  • تحديث سياسات ضمانات البنك بحيث تتضمن إلزام البنك والعميل بإعلام المجتمعات المتأثرة بالمشروعات بوجود آلية مساءلة مستقلة لدى البنك.

المعوقات المتعلقة باللغة

ثمانية من 12 آلية مساءلة مستقلة نشطة تقبل الشكاوى المقدمة بأي لغة ٬ لكن هناك أربع آليات (تمثل 42٪ من كل الشكاوى المقدمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) لا تقبل هذا. في بعض هذه الحالات٬ تشترط آلية المساءلة المستقلة أن يتم تقديم الشكوى باللغة الرسمية للبلاد أو باللغة الرسمية لإقليم معين. في حالات أخرى٬ يجب تقديم الشكوى باللغة الرسمية للبنك نفسه أو باللغة الإنجليزية. سياسات كهذه فيما يتعلق باللغة تحد من إتاحة آليات المساءلة المستقلة أمام المجتمعات ومنظمات المجتمع المدني. وحتي عندما تنص سياسات آليات المساءلة المستقلة على أن الشكاوى يمكن تقديمها بأي لغة٬ قد تستمر المجتمعات في مواجهة معوقات متعلقة باللغة في التواصل اليومي مع آلية المساءلة المستقلة.

ذكرت إحدى المنظمات التي تحدثنا معها: “طُلب مننا [تقديم] قائمة الشكاوى الخاصة بنا باللغة الإنجليزية لأن رئيس آلية المساءلة المستقلة لم يكن يتحدث العربية لذلك كانوا يحتاجونها باللغة الإنجليزية ووكان علينا أن نترجم الشكاوى" (مركز التنمية لجهة تانسيفت).وقال أحد المتقدمين الذي كان يتحدث الإنجليزية:"كان الانخراط في عملية كهذه سهلًا جدًا بالنسبة لي حيث إنني أتحدث بعض الإنجليزية٬ لكن هذا ليس الحال بالنسبة للجميع هنا [في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا]. توفير نسخة من العملية باللغة المحلية سيسهل الأمر كثيرًا" (مجموعة 7)..

نظرًا لعدم وجود آلية من آليات المساءلة المستقلة مقرها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو واحدة تعمل داخليًا باللغة العربية٬ الكثير من المجتمعات والمناصرين الذين يقدمون الشكاوى لآليات المساءلة المستقلة تواجه معوقات لغوية تزداد صعوبتها بشكل متزايد. غالبًا ما يقع عبء الترجمة على المجتمعات نفسها أو مناصريها. حكت إحدى المنظمات خبرتها في دعم عملية شكوى فأضافوا أن “بالنسبة للغة العربية بوجه خاص٬ [آلية المساءلة المستقلة] لم يكن لديها أي قدرات فيما يتعلق بالمنطقة واللغة٬ وكانوا يعتمدون بدرجة أكبر على منظمات المجتمع المدني المحلية في المراسلات والاتصالات" (مجموعة 9).. الاعتماد على منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية المحلية في التعامل مع الاتصالات اليومية بين الأطراف المنخرطة في عمليات شكاوى آلية المساءلة المستقلة قد تكون عبئًا على المجتمعات الباحثة عن العدالة٬ خاصة حين تقترن بمحدودية الموارد والقدرات لدى مجموعات المجتمع المدني في المنطقة.

التوصية: لضمان الإتاحة٬ يجب أن تقلل آليات المساءلة المستقلة من أعباء اللغة والترجمة في عمليات آليات المساءلة المستقلة عن طريق تحسين القدرات اللغوية المحلية. ولوضع هذا موضع التنفيذ٬ نوصي آليات المساءلة المستقلة باستخدام عمليات محلية عندما تعمل في منطقة وذلك عن طريق:

  • السماح بتقديم الشكاوى باللغة المفضلة لأصحاب الشكاوى ووضع ميزانية مقابلة للمشاركة الفعالة بتلك اللغة٬ وذلك يتضمن ترجمة كل الوثائق المرتبطة بالشكوى وجلب مترجمين فوريين في الاجتماعات الشخصية والافتراضية٬ إلخ
  • ترجمة مواد وإتاحتها للناس لتشرح عملية الشكوى باللغة المحلية (مواد مكتوبة وسمعية بصرية)
  • تعيين استشاريين محليين بعد معرفة آراء أصحاب الشكاوى لضمان الثقة وتجنب صراعات المصالح (ويشمل هذا الميسرين والوسطاء أيضًا)
  • إشراك مترجمين ذوي كفاءة عالية (ليس موظفي البنك) والعمل على استخدام خدماتهم على مدار فترة طويلة لبناء المعرفة التقنية وضمان اتساق المصطلحات.

أحيانًا لا توفر البنوك وآليات المساءلة المستقلة الوثائق المعنية باللغة الإنجليزية فقط٬ أو لا تجعل هذه الوثائق متاحة للعامة. إحدى المنظمات التي تحدثنا معها لاحظت أن "هناك وثائق احتجنا عشر سنوات لنحصل عليها وكان من الضروري إتاحتها قبل تمويل المشروع" (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية). وتعتبر انخفاض القدرة على استخدام الإنترنت ومحدودية المواقع المتوفرة باللغات المختلفة عوامل معيقة أيضًا للمجتمعات عن الوصول للمعلومات الضرورية٬ ولكن هذه المعوقات ليست متعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقط.

ترجمة الوثائق وإتاحتها باللغة العربية للجميع أمر هام٬ ويجب تسهيل الوصول لهذه الوثائق لكي تصبح مفيدة. ترجمة المواقع والموارد الموجودة على الإنترنت بتصميم وفي سياق ملائمين ثقافيًا يعتبر جانبًا هامًا من ضمان إتاحة المواد. الكثير من المجتمعات لن تصبح أبدًا قادرة على الوصول لهذه الوثائق أو المواد على الإنترنت٬ بغض النظر عن اللغة المكتوب بها الموقع٬ ولهذا يجب توفيرها بصيغة أخرى أيضًا. كل المنظمات التي تحدثنا معها ذكرت أن اللغة والقدرة على الوصول للمعلومات تعتبر معوقات كبيرة أمام عمليات شكاوى آليات المساءلة المستقلة٬ أما من كانوا يتحدثون الإنجليزية بطلاقة فأكدوا أيضًا إنها كانت ستصبح كذلك لولا معرفتهم باللغة.

التوصية: لضمان الإتاحة٬ يجب أن تتم ترجمة وتصميم كافة الموارد والمواد بشكل ملائم في السياقات المحلية. لوضع هذا موضع التنفيذ٬ نوصي بما يلي:

  • ترجمة وتصميم كل المواقع والمواد الموجودة على الإنترنت بشكل ملائم للسياقات المحلية. ويتضمن هذا تعيين استشاريين محليين لترجمة وتصميم مواقع ملائمة ثقافيًا (بما في ذلك تصميم الصفحة وتحديد اتجاهها إلخ).
  • جعل كل الموارد والمواد الموجودة على الإنترنت متوفرة للمجتمعات المتأثرة بشكل مباشر بطرق أخرى مثل توزيع ملخصات غير تقنية في مواقع المشروعات المحلية٬ إلخ.

التشاور والإفصاح

قضايا التشاور والإفصاح مرتبطة بشكل ملحوظ جدًا بالمجتمعات التي لا يتم إخبارها بأي شيء عن المشروع ولا يتم إشراكها أو التشاور معها بخصوص المشروع أو تفاصيله ولا يتم دعوتها للمشاركة في تصميم المشروع بشكل بناء. وهذا أكثر موضوع مطروح في الشكاوى المقدمة لكل آليات المساءلة المستقلة. التشاور الجاد أمر أساسي في التنمية المستدامة التي يقودها المجتمع٬ وتنفيذه يشكل تحديًا تاريخيًا أمام الرعاة والشركات المسؤولة عن المشروعات. وذكرت إحدى المنظمات التي عقدنا مقابلة معها أن الطريقة التي يجري بها التشاور نفسها معيقة للناس٬ وأوضحت أن "الشركة أعلنت عن [اجتماعات] التشاور في عمود بجريدة لا يقرأها أحد وبالتالي لم يحضر أحد" (مجموعة 5).

منظمة أخرى أكدت على أهمية إدراك الحكومات أن المجتمع المدني شريك في التنمية: “الحكومة لا تعترف بشكل حقيقي بالمجتمع المدني. فهي تعطيهم ترخيص للعمل لكن لا تعتبرهم شركاء حقًا" (المرصد اليمني لحقوق الإنسان).

التوصية: العملاء والمؤسسات المالية الدولية يجب أن يتبنوا الممارسات الفضلى لضمان أن يتم التشاور بشكل مفيد. ولوضع هذا موضع التنفيذ٬ نوصي بما يلي:

  • إشراك أصحاب المصلحة والناس المتأثرين بالمشروعات مبكرًا قبل أن يتم تثبيت تفاصيل المشروع.
  • توفير المعلومات المتعلقة بفرص التشاور والإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالمشروع مسبقًا وتعديلها بما يناسب السياق المحلي لأي مشروع بعينه.
  • ضمان استيفاء متطلبات التشاور والإفصاح بما في ذلك الموافقة الحرة المسبقة والمستنيرة.

هيكل آليات المساءلة المستقلة والبنوك

اجتماع ممثلي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية ومجموعات المجتمع المدني في الاجتماع السنوي للبنك في مراكش بالمغرب في مايو 2022. مصدر الصورة: Accountability Counsel

استقلالية آليات المساءلة المستقلة

تورط آلية المساءلة المستقلة مع المؤسسة المالية الدولية الخاصة بها يمكن أن يكون معيقًا للاستقلالية الحقيقية لآلية المساءلة المستقلة. الكثير من آليات المساءلة المستقلة لديها سياسات لتخفيف مشاكل الاستقلالية الهيكلية هذه مثل فرض ضوابط على العاملين بآلية المساءلة المستقلة متعلقة بالعمل سابقًا في تلك المؤسسات أو منح آلية المساءلة المستقلة سلطة تحديد شروط تأهل الشكاوى أو اتخاذ القرار بالتحقيق في قضية معينة متعلقة بالامتثال للأنظمة. وهكذا٬ الاستقلالية قد تبقى تحديًا حقيقيًا وكل آلية لديها سياسات مختلفة للتعامل معها.

هيئة التفتيش بالبنك الدولي واحدة من أربع آليات للمساءلة المستقلة ليس لديها استقلال كامل في قرارات إجراء تحقيق عن الامتثال٬ فالهيئة يمكن أن توصي بعمل تحقيق لكن القرار النهائي بإجراء التحقيق يجب أن يتم اعتماده من قبل مجلس البنك الدولي. لم تجر هيئة التفتيش أي تحقيق أبدًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا رغم تلقيها سبع شكاوى خمسة منها تم اعتبارها مؤهلة من الناحية التقنية. في ثلاثة من تلك الحالات٬ لم توصي الهيئة نفسها بإجراء تحقيق لكن في الحالتين الأخرتين أوصت الهيئة بإجراء تحقيق لكن المجلس لم يعتمد هذا واختار بدلًا من هذا تأجيل القرار ومنح الإدارة وقتًا لتحقيق تقدم في القضايا المطروحة. في إحدى هذه الحالات التي لم توصي الهيئة فيها بإجراء تحقيق٬ أشار ممثل المنظمة المقدمة للشكوى لتأثير المصالح السياسية المتنافسة على القرار:

"الأمر المحبط هو أن هيئة التفتيش لم تمتلك وعيًا سياسيًا بالسياق [في المنطقة]، فقد قرروا مقابلة رئيس تلك المؤسسة البحثية العامة، وهو شخص تم تعيينه بقرار سياسي من قبل أحد الأحزاب المستفيدة من السدود، وهو بدوره قال لآلية المساءلة المستقلة: "المشروع جيد". بعد ذلك، استخدمت هيئة التفتيش موقف رئيس المؤسسة هذا كحجة علمية ضدنا، وأخبرونا أن شكوانا هذه قد باتت غير صالحة. علاوة على كل ذلك٬ كان أعضاء هيئة التفتيش يلتقون أيضًا بشخصيات سياسية في الحكومة دون أن يدركوا مصالح هذه الشخصيات. هذه المشكلة كانت بمثابة صدمة لنا، كما أننا اكتشفناها لاحقًا في مناقشاتنا مع هيئة التفتيش. هيئة التفتيش لم تكن تعمل بشكل مستقل عن البنك الدولي على الإطلاق."(مجموعة 5).

إن اشتراط موافقة مجلس المؤسسة المالية الدولية لإجراء تحقيق ما ليس مقتصرًا على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا٬ لكن خطورته تزداد بالنظر لتبعات المصالح السياسية الفاعلة هنا. أعضاء المجلس في البنك الدولي المسؤولون عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "لهم مواقف متعنتة بشدة. وأعضاء المجلس المحليون ليسوا داعمين بقوة لهيئة التفتيش كعملية في ذاتها. فهم يقدرون الكفاءة بشكل خاص وينحازون للجانب المالي والتجاري للأمور حيث تعطل الشكاوى المقدمة المشاريع وتشوه سمعة المؤسسة." (مجموعة 9)

الحوافز الداخلية داخل المؤسسات المالية الدولية إشكالية هي الأخرى. فالتطور المهني في المؤسسات المالية الدولية يكون مرتبطًا بشكل مباشر بحجم المشروع بدون أخذ الآثار السلبية للمشروعات على المجتمع المحلي في الاعتبار على الإطلاق أو بدرجة كبيرة. بدون الاستقلال الفعلي لآلية المساءلة المستقلة٬ يمكن أن يفسد العاملون في البنك عمليات الشكاوى خدمةً لمصالحهم الخاصة. فضرورة موافقة المجلس على إجراء تحقيق ما المشار إليها فيما سبق أو وجود عاملين في آلية المساءلة المستقلة كانوا يعملون سابقا لدى المؤسسة, قد يخلق انطباعًا بآن آليات المساءلة المستقلة مرهونة لمؤسساتهم الأصلية. أحد المبحوثين لم تقم آلية المساءلة المستقلة بالتحقيق في شكواه قال إن عدم استقلالية آلية المساءلة المستقلة وضعف هياكل الحوافز في البنك يؤثران بشكل سلبي على مصالح المجتمعات كما يلي:

"شعرنا أن سكرتير آلية المساءلة المستقلة والعاملين فيها كانوا يعملون بتنسيق مستمر مع إدارة (البنك)... كان لدى البنك محفزاته الخاصة للاستمرار في المشروع سواء كانت... “محفزات متعلقة بالتطور المهني الشخصي (أو غيرها). وبعض العاملين كانوا يعملون على هذا المشروع لسنوات وبعضهم تمت ترقيتهم بعد العمل على هذا المشروع." (مجموعة 5).

التوصية: لكي تعمل آليات المساءلة المستقلة بشكل جيد يجب أن تكون مستقلة عن المؤسسات المالية. ولضمان استقلالية آلية المساءلة المستقلة٬ نوصي بما يلي:

  • منح آليات المساءلة المستقلة السلطة وحدها لتحديد إن كان سيتم إجراء تحقيق في الامتثال أم لا بدون الحاجة لموافقة المجلس.
  • ضمان أن يكون العاملون في آليات المساءلة المستقلة مستقلين بشكل كامل عن المؤسسات المالية وليس لديهم أي تضارب في المصالح. ويقتضي هذا سياسات مثل منع العاملين في البنك من العمل في آلية المساءلة المستقلة إلا بعد مرور فترة زمنية معينة بعد تركهم البنك ومنع عمل القياديين في آلية المساءلة المستقلة من العمل في البنك بعد ترك وظائفهم تمامًا أو منع العاملين الآخرين في آلية المساءلة المستقلة من العمل في البنك إلا بعد مرور فترة زمنية معينة على تركهم العمل في الآلية.
  • فرض الإفصاح والتنحي على أي استشاري أو عضو في الآلية في حالة وجود تضارب في المصالح فيما يتعلق بأي شكوى.

مرتكزات التأثير

عندما تنتهي عمليات مراجعة الامتثال التي تقوم بها آليات المساءلة المستقلة إلى أن نتيجة بعدم الامتثال٬ غالبًا ما تكون هذه النتيجة غير ملزمة وقد لا تؤدي إلى أي تغيير حقيقي. لا توجد هيئة مستقلة داخل آلية المساءلة المستقلة يمكن أن تلزم البنك بوضع خطط العمل اللازمة لمعالجة كافة جوانب عدم الامتثال. ورغم أن بعض آليات المساءلة المستقلة مكلفة بمهام للرصد٬ يبقى تنفيذ خطط العمل التي تضعها إدارة البنك في النهاية مسؤولية المؤسسة المالية الدولية وحدها. ورغم أن هناك مرتكزات للتأثير بين البنك والعميل أو المنفذ (من خلال المجلس أو إدارة البنك أو الحقوق والالتزامات التعاقدية الواردة في اتفاقات التمويل)٬ لا توجد حوافز لاستخدام هذه المرتكزات لفرض تنفيذ خطط العمل أو الالتزامات.

إن العمل على تصحيح الجوانب التي تتوصل العملية إلى افتقادها للامتثال للأنظمة غالبًا ما يعتمد على تصرف البنك بنية سليمة. وقد قالت إحدى المنظمات التي أجرينا معها مقابلة: "رغم إن التحقيق كان نتيجة مباشرة للشكوى٬ لم تكن الحلول المقترحة قرارات ملزمة. فالبنك يمكن أن ينفذها أو لا ينفذها" (المرصد اليمني لحقوق الإنسان). وذكرت منظمة أخرى أجرينا معها مقابلة أنه رغم إصدار البنك لخطط عمل من أجل إصلاح نتائج عدم الامتثال٬ لم يتم إحراز أي تقدم بخصوص القضايا الأساسية. ولاحظوا أن "[إدارة البنك] وضعت الكثير من خطط العمل لكن الأمور المهمة يتم تأجيلها باستمرار" (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية). وكما يتضح من الأمثلة السابقة٬ غالبًا ما تُترَك المجتمعات بدون نتائج حقيقية أو تحسينات ذات معنى بسبب ضعف مرتكزات التأثير لدى آليات المساءلة المستقلة وعدم استخدام مرتكزات التأثير التي لدى البنوك.

هناك قيد آخر منهك على عملية آلية المساءلة المستقلة وهو أنها قد تعتمد على وجود علاقة تمويل نشطة بين البنك والعميل. وبغض النظر عن الأضرار الناتجة٬ فور انتهاء هذه العلاقة المالية ينتهي - أو على الأقل يضعف - تأثير البنك أو آلية المساءلة المستقلة على العميل و/أو منفذي المشروع. من حين لآخر٬ يسحب البنك استثماراته من المشروع فينهي علاقة التمويل ويعفي نفسه من أي مسؤولية عن الأضرار التي نتجت عن الاستثمار في المشروع. وبدون علاقة مالية بين المؤسسة المالية الدولية والمشروع المتسبب في الضرر٬ يمكن أن تنهار عملية الشكوى لآلية المساءلة المستقلة الهادفة للمحاسبة برمتها.

هذا السيناريو حدث مؤخرًا بالظبط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عندما قامت مؤسسة التمويل الدولية بتصفية استثماراتها في مشروع الاسكندرية للأسمنت في مصر عام 2019 بعد تسع سنوات من الاستثمار وخمس سنوات من بدء عملية الشكوى. ورغم أن مستشار الامتثال / أمين المظالم توصل لاثني عشر نتيجة مختلفة بعدم الامتثال للأنظمة بخصوص كافة القضايا التي طرحها أصحاب الشكاوى٬ قرار مؤسسة التمويل الدولية تصفية استثماراتها ترك المجتمعات المتضررة بلا أمل يذكر في الإنصاف. "الآن بعد قرار تصفية الاستثمارات٬ لن تكون هناك أي مرتكزات للاستناد إليها للضغط على الشركة وكل شيء سيكون متروكًا لإرادتها الطوعية. قبل قرار تصفية الاستثمار كنت أعتقد أنه سيكون هناك تأثير٬ لكن الآن لم أعد متأكدًا" (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية). نتائج عمليات مراجعة الامتثال هذه تعتمد على حسن النية٬ وبالنظر لتاريخ المؤسسات المالية الدولية في التنفيذ يبدو تحقيق أي نتيجة حقيقية للمجتمعات أمر مستبعد بشدة.

حجز المبالغ المستحقة للعميل يمكن أن يكون نقطة ارتكاز هامة ومؤثرة لضمان تنفيذ الاتفاقات ومخرجات عملية مراجعة الامتثال. في إحدى الشكاوى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا٬ حجز مدفوعات المشروع كان وسيلة ضغط أساسية أدت للمضي قدمًا في إصلاح الأضرار. "حجز البنك نسبة من المدفوعات النهائية للشركة حتى استكمال المشروع٬ وأخبر الشركة أنه لا يستطيع دفعها حتى تصلح ما دمرته. كان من الممكن اختصار الوقت لو استخدم البنك ورقة حجز المدفوعات المستحقة للشركة مبكرًا بدلًا من انتظار نهاية المشروع" (مركز التنمية لجهة تانسيفت). فحجر المدفوعات في بداية عملية الشكوى قد يساعد في تقليل الوقت المطلوب لتحقيق التقدم فيما يتعلق بالإصلاحات٬ وتخفيف مخاطر وقوع المزيد من الأذى أثناء المراحل الأولية للشكوى.

التوصية: التوصية: آليات المساءلة المستقلة والمؤسسات المالية الدولية عليها مسؤولية لضمان معالجة أوجه عدم الامتثال التي تم التوصل إليها وتنفيذ الاتفاقات بما يؤدي إلى إصلاحات حقيقية للمجتمعات. ولوضع هذا موضع التنفيذ٬ نوصي بما يلي:

  • وضع تكليفات صريحة لآليات المساءلة المستقلة بتقديم توصيات بالإصلاحات وتنفيذها.
  • اشتراط أي تمويل جديد من مؤسسات التمويل الدولية على معالجة الأضرار السابقة وفقًا لما تؤكده المجتمعات. ويتضمن هذا التمويل على مستوى الدولة في حالة المؤسسات العامة.
  • حجز مدفوعات المشروعات وصرف التمويل من قبل المؤسسات المالية الدولية فور تقديم الشكوى وأثناء سير الشكاوى.
  • إنشاء صندوق احتياطي للإنصاف وجبر الضرر في كل مؤسسة مالية دولية واشتمال عملية التخطيط على بند الإنصاف وجبر الضرر لكل مشروع يحتمل أن يسبب أضرار.
  • إلزام البنوك وعملاءها بالمشاركة في عمليات آليات المساءلة المستقلة.
  • استشارة المجتمعات المتضررة في حالة اتخاذ قرار بتصفية الاستثمارات٬ وذلك لوضع خطة لتخفيف الآثار السلبية ومعالجة المشكلات البيئية والاجتماعية بعد حدوث التصفية. ويجب أن تكون المؤسسات ملزمة بإصدار تقارير عامة عن قرارات تصفية الاستثمارات وعن التدابير التي اتخذتها لممارسة الضغط والتأثير سعيًا لتحقيق الإنصاف.

القوة والإفلات من العقاب وسلطة الدولة

ديناميكيات القوة بين الفاعلين المختلفين الداخلين في عمليات الشكاوى واحدة من أكبر تحديات البحث في شكاوى آليات المساءلة المستقلة. وهذه التحديات تتضح بشكل خاص في مراحل المعالجة الموضوعية للشكاوى مثل حل النزاعات٬ لكنها موجودة أيضًا في المراحل الأخرى مثل التأهل والتقييم السابق على التأهل وعمليات جمع المعلومات.

ومثل كل المناطق الأخرى٬ غالبًا ما تكون المجتمعات المتضررة من المشروعات التي ترعاها المؤسسات المالية الدولية فقيرة (وهو ما يزداد سوءً بسبب المشروعات التي يشكون منها نفسها) وتشكل اللغة حاجزًا بالنسبة لها وتفتقر للقدرة على الاستفادة من التقنيات.

Cوغالبًا ما تعتمد المجتمعات على أنواع من المعلومات تُعتبَر أقل سلامة وجدارة بالثقة بالمقاربة بمقاربات مسؤولي البنوك وفاعلي الدولة وحتى آليات المساءلة المستقلة التي ترتكز على البيانات والخبراء. وهذه الاختلافات قد تزيد من الاختلالات الموجودة بالفعل في القوة أثناء عملية الشكوى. في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصل حالة الإفلات من العقاب وسلطة الدولة لدرجة خوف المواطنين على حياتهم لو عبروا عن مظالمهم أو بدوا مناهضين لمصالح الدولة/الحكومة٬ وهنا تزداد أوجه الاختلال في القوة. قالت منظمة منخرطة في إحدى الشكاوى إنه قبل تقديم الشكوى٬ لم تحرد الاجتماعات الأولية التي دعت إليها السلطات المحلية إلا القليل ولم تؤدي إلا لزيادة التوترات. ممثلو الشركة رفضوا الحضور ومجموعات المجتمع المدني التي تمت دعوتها للمشاركة شاركت نيابةً عن الشركة وليس عن المجتمع.

“رئيس الشركة لديه سلطة هائلة في الحكومة والدولة٬ ولم يحضر أحد من الشركة في أول أو ثاني اجتماع دعت إليه السلطات المحلية. وقال ممثلو السلطة المحلية إنهم لا يستطيعون الضغط على هذه الشركة الكبيرة التي تقوم ببناء كل الطرق السريعة في المغرب"(مركز التنمية لجهة تانسيفت).

“الشركة والدولة جزء من نفس المجموعة ولديهم نفس المصالح. للبنك مصلحة في عدم الدخول في مشاكل مع الشركة المنفذة٬ وللدولة مصلحة في تنفيذ المشروع في أسرع وقت ممكن٬ وكلاهما لا يهتم بوقوع بعض الضرر في بعض المجتمعات" (مركز التنمية لجهة تانسيفت).

التوصية: لتخفيف انعدام التوازن في القوة في عمليات شكاوى آليات المساءلة المستقلة٬ نوصي بما يلي:

  • تدريب الوسطاء على تعديل أساليب الوساطة التقليدية لأخذ انعدام التوازن في الاعتبار.
  • تجهيز أصحاب الشكاوى للمشاركة الفعالة في عمليات آليات المساءلة المستقلة (ليس على نفقتهم الخاصة).
  • تبني مفهوم رحب للأدلة في عمليات الشكاوى يأخذ في الاعتبار أنظمة محلية لاكتساب ونشر المعرفة.

التوصيات

المجتمع المدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

المؤسسات المالية الدولية وآليات المساءلة المستقلة عليها مسؤولية معالجة الأضرار المتعلقة بأنشطتها وتخفيفها بشكل ملائم. هناك العديد من القضايا المتعلقة بالمجتمع المدني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يجب أن تعالجها المؤسسات المالية الدولية وآليات المساءلة المستقلة أيضا وتعمل على تخفيفها بشكل ملائم ومنها ارتفاع خطر الانتقام ومحدودية الموارد والقدرات لدى المجتمعات ومنظمات المجتمع المدني.
الموضوع التوصيات
معالجة وتخفيف مخاطر الانتقام من خلال التوجيه والبروتوكولات والتدريب
  • تبني سياسات عدم التسامح مطلقًا والالتزام بها. ويعني هذا في الممارسة عدم إلقاء عبء كبير في الإثبات على الناس الذين يتعرضون للأعمال الانتقامية.
  • استخدام مرتكزات التأثير لمنع الأعمال الانتقامية والتعامل معها حال وقوعها. ويجب أن يتضمن هذا إيقاف التمويل حين يكون هذا ملائمًا تماشيًا مع مبادىء الخروج المسؤول.
  • تطوير إجراءات وبروتوكولات وتوجيهات واضحة بشأن الأعمال الانتقامية. ويجب أخذ هذه القواعد التوجيهية في الاعتبار وتدريب العاملين في البنك وآلية المساءلة المستقلة بشكل سليم/منتظم على التعامل مع حالات الانتقام.
ضمان أن تكون عمليات آلية المساءلة المستقلة فعالة ومنصفة عن طريق توفير تمويل مباشر للمجتمعات
  • تقديم تمويل مباشر مسبقًا للمجتمعات والمناصرين المنخرطين في عمليات آليات المساءلة المستقلة. ويجب أن يكون لدى البنوك وآليات المساءلة المستقلة بنود مخصصة في الميزانيات لدفع أجور الخبراء (مثل خبير القضايا البيئية والاجتماعية لإجراء تقصي للحقائق) وتكلفة الانتقالات (مثل أجرة المواصلات المطلوبة لحضور الاجتماعات) ومصاريف الاجتماعات والتقنيات المطلوبة للاتصال (مثل الهواتف وبطاقات تعريف المستخدم (سيم كارت)).
  • تحديد الجوانب التي تتطلب مشاركة منظمات المجتمع المدني لتحقيق النتائج والعمل على تقليل مشاكلها.
التعامل مع المتطلبات من القدرات والموارد عن طريق تحديد التوقعات وتوفير الموارد
  • وضع توقعات واقعية بخصوص الوقت والموارد المطلوبين للانخراط في عمليات آليات المساءلة المستقلة. ويتضمن هذا إعلام أصحاب الشكاوى بالإطار الزمني المتوقع للعملية لكي يتخذوا قرارهم بشأن تقديم الشكوى على أساس مستنير.
  • توفير تمويل مباشر للمجتمعات ومناصريها المحليين كما ذكر أعلاه.

إتاحة آليات المساءلة المستقلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

لكل تعمل آليات المساءلة المستقلة بشكل جيد٬ يجب أن تكون المجتمعات المتأثرة بالمشروعات قادرة على الوصول إليها. ويجب أن تقوم المؤسسات المالية الدولية وآليات المساءلة المستقلة بمعالجة مشاكل الإتاحة القائمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – مثل فجوات المعرفة ومعوقات اللغة ومسائل الترجمة والاستشارات غير الملائمة - بشكل سليم.
الموضوع التوصيات
معالجة الفجوات المعرفية في أنشطة البنك وعمليات آليات المساءلة المستقلة من خلال أنشطة الانتشار
  • أن يكون هناك تكليفات واضحة لآلية المساءلة المستقلة بوضع سياسات للانتشار والتواصل.
  • تحديث سياسات ضمانات البنك بحيث تتضمن إلزام البنك والعميل بإعلام المجتمعات المتأثرة بالمشروعات بوجود آلية مساءلة مستقلة لدى البنك.
تحسين اللغة والترجمة في عمليات آليات المساءلة المستقلة بالنظر للقدرات اللغوية المحلية
  • السماح بتقديم الشكاوى باللغة المفضلة لأصحاب الشكاوى ووضع ميزانية مقابلة للمشاركة الفعالة بتلك اللغة٬ وذلك يتضمن ترجمة كل الوثائق المرتبطة بالشكوى وجلب مترجمين فوريين في الاجتماعات الشخصية والافتراضية٬ إلخ.
  • ترجمة مواد وإتاحتها للناس لتشرح عملية الشكوى باللغة المحلية (مواد مكتوبة وسمعية بصرية).
  • تعيين استشاريين محليين بعد معرفة أراء أصحاب الشكاوى لضمان الثقة وتجنب صراعات المصالح (ويشمل هذا الميسرين والوسطاء أيضًا).
  • إشراك مترجمين ذوي كفاءة عالية (ليس موظفي البنك) والعمل على استخدام خدماتهم على مدار فترة طويلة لبناء المعرفة التقنية وضمان اتساق المصطلحات.
تحسين إمكانية الوصول للمواد الخاصة بالبنك وآلية المساءلة المستقلة في السياقات المحلية
  • ترجمة وتصميم كل المواقع والمواد الموجودة على الإنترنت بشكل ملائم للسياقات المحلية. ويتضمن هذا تعيين استشاريين محليين لترجمة وتصميم مواقع ملائمة ثقافيًا (بما في ذلك تصميم الصفحة وتحديد اتجاهها إلخ).
  • جعل كل الموارد والمواد الموجودة على الإنترنت متوفرة للمجتمعات المتأثرة بشكل مباشر بطرق أخرى مثل توزيع ملخصات غير تقنية في مواقع المشروعات المحلية٬ إلخ.
ضمان انخراط المجتمعات في عمليات صنع القرار من خلال التشاور الملائم
  • إشراك أصحاب المصلحة والناس المتأثرين بالمشروعات مبكرًا قبل أن يتم تثبيت تفاصيل المشروع.
  • توفير المعلومات المتعلقة بفرص التشاور والإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالمشروع مسبقًا وتعديلها بما يناسب السياق المحلي لأي مشروع بعينه.
  • ضمان استيفاء متطلبات التشاور والإفصاح بما في ذلك الموافقة الحرة المسبقة والمستنيرة.

هيكل آليات المساءلة المستقلة والبنوك

لكي تعمل آليات المساءلة المستقلة بشكل جيد٬ يجب أن تكون مستقلة عن مؤسساتهم المالية.
الموضوع التوصيات
ضمان استقلالية المؤسسات المالية الدولية عن طريق تطبيق أفضل الممارسات والسياسات
  • منح آليات المساءلة المستقلة السلطة وحدها لتحديد إن كان سيتم إجراء تحقيق في الامتثال أم لا بدون الحاجة لموافقة المجلس.
  • ضمان أن يكون العاملون في آليات المساءلة المستقلة مستقلين بشكل كامل عن المؤسسات المالية وليس لديهم أي تضارب في المصالح. ويقتضي هذا سياسات مثل منع العاملين في البنك من العمل في آلية المساءلة المستقلة إلا بعد مرور فترة زمنية معينة بعد تركهم البنك ومنع عمل القياديين في آلية المساءلة المستقلة من العمل في البنك بعد ترك وظائفهم تمامًا أو منع العاملين الآخرين في آلية المساءلة المستقلة من العمل في البنك إلا بعد مرور فترة زمنية معينة على تركهم العمل في الآلية.
  • فرض الإفصاح والتنحي على أي استشاري أو عضو في الآلية في حالة وجود تضارب في المصالح فيما يتعلق بأي شكوى.
ضمان إتاحة سبل الإنصاف وجبر الضرر المادية للمجتمعات المتضررة
  • وضع تكليفات صريحة لآليات المساءلة المستقلة بتقديم توصيات بالإصلاحات وتنفيذها.
  • اشتراط أي تمويل جديد من مؤسسات التمويل الدولية على معالجة الأضرار السابقة وفقًا لما تؤكده المجتمعات. ويتضمن هذا التمويل على مستوى الدولة في حالة المؤسسات العامة.
  • حجز مدفوعات المشروعات وصرف التمويل من قبل المؤسسات المالية الدولية فور تقديم الشكوى وأثناء سير الشكاوى.
  • إنشاء صندوق احتياطي للإنصاف وجبر الضرر في كل مؤسسة مالية دولية واشتمال عملية التخطيط على بند الإنصاف وجبر الضرر لكل مشروع يحتمل أن يسبب أضرار.
  • إلزام البنوك وعملاءها بالمشاركة في عمليات آليات المساءلة المستقلة.
  • استشارة المجتمعات المتضررة في حالة اتخاذ قرار بتصفية الاستثمارات٬ وذلك لوضع خطة لتخفيف الآثار السلبية ومعالجة المشكلات البيئية والاجتماعية بعد حدوث التصفية. ويجب أن تكون المؤسسات ملزمة بإصدار تقارير عامة عن قرارات تصفية الاستثمارات وعن التدابير التي اتخذتها لممارسة الضغط والتأثير سعيًا لتحقيق الإنصاف.
تخفيف أوجه انعدام التوازن في القوة في عمليات شكاوى آليات المساءلة المستقلة
  • تدريب الوسطاء على تعديل أساليب الوساطة التقليدية لأخذ انعدام التوازن في الاعتبار.
  • تجهيز أصحاب الشكاوى للمشاركة الفعالة في عمليات آليات المساءلة المستقلة (ليس على نفقتهم الخاصة).
  • تبني مفهوم رحب للأدلة في عمليات الشكاوى يأخذ في الاعتبار أنظمة محلية لاكتساب ونشر المعرفة.

الخاتمة

منذ الأيام الأولى لهذا المشروع البحثي٬ لم يكن أحد مندهشًا من الافتقار للمساءلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كان الكثيرون يسلمون بالفعل بأن الثقافة والتوجهات الراسخة في المنطقة غير مواتية بشكل ما للمشاركة الفعالة مع الأنظمة المصممة لدعمهم وحمايتهم. من لا يلقون باللوم على المجتمعات المتضررة نفسها يرجعون العيب للأنظمة الخاصة بسلطة الدولة حيث يخرس الطغاة أصوات المجتمعات ويروعونها من خلال الأيدي الغليظة لأجهزة أمن الدولة. وكان الكثيرون يتعاملون مع أوجه القصور البعيدة عن متناول أيدينا وكأنها قضاء وقدر لا يمكن القيام بشيء حياله وتخص بشكل مباشر أطراف أخرى لا يمكن الوصول إليها أو إدراكها.

البحث المعروض فيما سبق يقدم صورة أكثر دقة حيث يتشارك العديد من الفاعلين والهياكل والتدفقات المالية والحوافز في شبكة معقدة من المسؤوليات والتواطؤات. فهناك معوقات متنوعة متعلقة باللغة والإتاحة وغيرها من الأمور تمنع المجتمعات من الوصول إلى آليات المساءلة عند التعرض للأضرار. فالقلة التي تنخرط في عملية المساءلة تتأثر بقلة الموارد والضغوط ولا تؤخذ سلامتهم من الانتقام أو العقاب في الاعتبار. تحصل الحكومات والشركات الإقليمية الكبرى على مليارات الدولارات من التمويلات بدون اهتمام كبير بتاريخها في انتهاكات حقوق الإنسان. لا توجد توقعات كبيرة ولا تُفرَض عقوبات بشأن غياب أي تشاور أو إفصاح حقيقي مع المجتمعات. وعادةً يتعامل عملاء المؤسسات المالية الدولية مع الإلزام ببذل العناية الواجبة والحصول على الموافقات المستنيرة بأنها مجرد معوقات أمام الحصول على التمويلات التي يحتاجونها بشدة.

أما مساعي آليات المساءلة المستقلة لدعم المجتمع خلال هذه العمليات التي تستمر لعدة سنوات فتتسم بانخفاض أعداد العاملين عن المطلوب وقلة التمويل وتفتقر للسلطة أو المرتكزات التي يمكن الاستناد عليها لفرض الخطوات اللازمة للإنصاف وجبر الضرر. والمؤسسات المالية التي ترتبط بها هذه الآليات ليس لديها حوافز أو ميول كبيرة لاستخدام مرتكزات التأثير القوية التي لديهم.

هذه المعوقات التي تعطل إتاحة الآليات لا تنفرد بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا٬ بل في موجودة في كل مكان. فالمشكلات والقيود التي تواجهها المجتمعات في عمليات آليات المساءلة المستقلة في المنطقة شبيعة بتلك القائمة في العالم كله٬ لكنها هنا أكثر حدة ببساطة.

ومن ثم٬ لم نندهش كثيرًا من أن أصحاب الشكاوى الذين تحدثنا معهم منهكين من العملية ومحبطين من نتائجها. وقد قالت منظمات عديدة أنها لن تقدم على تقديم شكاوى أخرى لأن العملية أخذت وقتًا طويلًا جدًآ وكانت صعبة جدًا ولم ينتج عنها أي إصلاح أو جبر ضرر حقيقي للمجتمعات المتضررة. وهذه العيوب الهيكلية تأخرت كثيرًا على أي إصلاح أو تحسن حقيقي.

يجب أن تعالج المؤسسات المالية المعوقات المعرفية واللغوية القائمة في شتى أنحاء المنطقة وتحسن قدرة الناس على الوصول للمواد الخاصة بالمشروعات وآليات المساءلة المستقلة وتضمن مشاركة المجتمعات في عمليات تشاور مبكرة ومنتظمة.

يجب على آليات المساءلة المستقلة أن تبذل المذيد من الجهد لتخفيف أوجه الاختلال في القوة التي تشوه وتعطل عمليات الشكاوى. الدعم المباشر بأصحاب الشكاوى يمكن أن يحقق جزءً من هذا حتى يستطيع هؤلاء الناس تحمل عملية الشكوى التي تستمر لعدة سنوات بدون مشقة مالية كبيرة. وتحتاج آليات المساءلة المستقلة أن تتمتع بالمزيد من السلطة والاستقلالية والقدرات والموارد لكي تحقق هذا.

المجتمع المدني أيضًا يمكن أن يلعب دورًا جوهريًا في دعم المجتمعات المتضررة وكذلك في تطوير فهم أفضل للمعوقات الهيكلية القائمة والوسائل التي يمكن استخدامها لتخفيفها منها. وهناك حاجة لإجراء المزيد من البحوث في المستقبل بخصوص إتاحة وسائل الإنصاف وجبر الضرر ودور منظمات المجتمع المدني الدولية في دعم أصحاب الشكاوى والعديد من القضايا الأخرى من أجل فهم ومعالجة هذه المشكلات. يبدو التوصل لنظام يقدم إنصاف حقيقي وفعال للناس أمر بعيد المنال٬ لكن يمكن بلوغه لو تم تقديم الدعم للمجتمعات وتوفير المعلومات والقيام بجهود المناصرة بشكل سليم.